الرَّاحمون يرحمُهم الرَّحمن

رسالة (7)

الرحمن أسم من أسماء الله الحُسني، وعروس القرآن سورة الرحمن، وبعث الله نبيه هُدي ورحمة للعالمين، فكان النبي الكريم يقول عن نفسه: أنا نبي الرحمة، ويقول الله تعالي في الحديث القدسي: إذا كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي. فلا يستطيع العبد نيل رحمة الله إلا إذا رحم خلقه.

يقول د.مصطفي محمود: الرحمة أعمق من الحب وأصفي وأطهر، فيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم، وكلنا قادرون علي الحب بحكم الجبلة البشرية، وقليل منا هم القادرون علي الرحمة.

يُحكي أن رجلاً كان يجلس مع النبي، فدخل عليه الحسن بن علي ابن السيدة فاطمة، فقبّله النبي، فلما رأي الرجل ذلك، قال له: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه الرسول وقال له: من لا يَرحم لا يُرحم.

وبهذا قرر النبي قانون من قوانين الرحمة أنه : من لا يَرحم لا يُرحم. وكان يقول عليه صلوات الله وسلامه: ما كان الرفق في شيء إلا زانهُ ، ولا نُزع من شيء إلا شانهُ.

إذا الرحمة مطلب أساسي ونادت به كل الأديان السماوية، ولكننا بالرغم من هذا في مُجتمعاتنا العربية نعاني كثيراً من مظاهر العنف، فالأسرة تقسو علي أولادها، والمجتمع يُحقر صغيره ولا يوقر كبيره، والمعلم يُعنّف تلاميذه، والمدير يستغل موظفيه، وأشكال أخري كثيرة يتقطع لها القلب عند ذكرها... تنفي تماما ما أمرنا به ديننا الحنيف، بل أن الأمر يزداد سوءاً إلي سوءاً، وكيف لا؟ ونحن نجد من يبرر احياناً تلك الأفعال باسم الدين. فلنري كيف تعامل النبي مع وصيفة له استبطأت عليه في طلب حاجة قريبة له، تقول زوج النبي أم سلمة: كان غاية ما أدبها به، أنه لوَّح بسواك كان في يديه إلي وجهها، وقال لها: لولا إني أخاف الله لأوجعتك بهذا السواك!!

هكذا علمنا النبي، علمنا أن يقف الإنسان عند حدود الله.

وهناك أحاديث نبوية كثيرة عن الرحمة سأورد لكم بعض منها:-

- (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

- (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله).

- (لا تُنزع الرحمة إلا من شقيّ).

- (لن تؤمنوا حتى تراحموا، قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم. قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة).

- (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ومن لم يوقر كبيرنا، ومن لم يعرف لعالمنا حقه).

- (ألا أخبركم بمن يحرُم على النار، أو بمن تُحَّرم عليه النار؟، تُحَّرم على كل هيِّن ليِّن قريب سهل).

ولما جاء رجل إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو قسوة قلبه، قال له: أتُحب أن يلين قلبك وتُدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك.

ويُروي أنه لما دخل بستان أنصاري، رأى جملاً، فلما رأى الجمل النبي حن، وذرفت عيناه، فتقدم منه النبي، فمسح ذفراه – مؤخر رأسه وعنقه - فسكت، وقال النبي: من صاحب هذا الجمل؟ فجيء بفتى أنصاري، قال: أنا صاحبه، قال له النبي: ألا تتقي الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه - أي تكده وتُكرِهه وتتعبه وتكلفه ما لا يطيق-.

كل هذه الأحاديث النبوية تشدد علي معنى الرحمة، وانه يجب ان تغلف الرحمة كل تفاصيل حياتنا، فأين نحن الآن من هذه الرحمة؟! ففي حياة المسلمين اليوم ظُلم يهتز له عرش الرحمن، وقهر، وتضييق، وقسوة، وتعنيف، كل واحد متمكن من شيء يفرض إرادته الظالمة على من حوله، فكيف بنا نواصل ركب الأمم، ونحن لا يرحم بعضنا البعض؟!!

الحقيقة إن أشقى الخلق أقساهم قلوباً، وأقرب الخلق إلى الله أكثرهم رحمةً. فأنت ترحم بقدر إيمانك، وتقسو بقدر عصيانك، فإن الله إذا أحب عبداً رزقه بلين القلب، فطوبي لكل عبدٍ رحيم.

التعليقات


لا يوجد تعليقات علي هذا المقال

- من فضلك, سجل دخولك للتمتع بكامل صلاحيات المشاركة .

شارك برأيك

إلغاء